قصة حياة

«زوج جـاحد وسرطـان قاتــل» 

فتيحة كلواز

هي قصة امرأة توفيت منذ ثمانية أشهر بعد صراع طويل مع المرض، سيدة عرفت بجمالها وحبها للحياة، للموضة والأناقة التي وضعتها على قائمة أجمل الجميلات، حتى وان لم تدخل أي مسابقة جمال من قبل، إطار في بنك سنوات السبعينات خطفت قلوب الكثير من الرجال لكنها لم تقبل غير زميلها في العمل ابن باب الواد الذي أقنعها بأنه الأحن، الأصدق والأنسب لها، بالفعل تزوجا في 1978 ليبدأ فصل جديد من حياة. بطلتنا التي صدمت برجل يكاد يئد بناته الثلاث بسبب شعوره بالعار لإنجابه لهن، ولم تنته معاناتها الا مع ولادة طفلها الخامس الذي حقق امنية زوجها في ابوة لرجل يحمل اسمه واسم عائلته.
ظنّت بطلتنا أن ابنها «الذكر» وضع نقطة النهاية لفصل حزين من حياتها لكن هيهات ان تكون الحياة بهذه السهولة، فقد كشفت التحاليل في 2010 إصابتها بسرطان الثدي الذي اكتشفه الأطباء في مراحل متقدمة، ما جعلها تدخل في حالة نفسية متدهورة بسبب زوج غيَّر نظرته اليها من امرأة استطاعت البقاء جميلة بالرغم من بلوغها الخمسين من العمر الى «سلعة» فقدت صلاحيتها لاستنفاذها صفتها كـ»سيدة « بيت مرموقة وكـ «انثى» ساحرة، ما يستوجب ـ حسبه - تغييرها بأخرى ما زالت «صالحة» للاستعمال.
في المقابل، كان سرطان الثدي بالنسبة لبطلتنا سكينا غرز في قلبها ليقضي على ما تبقى من روحها، حالة اليأس التي عاشتها والصدمة التي سيطرت عليها جعلتها تذهب الى خطبة الفتاة لزوجها، نعم بالرغم من «الدمار» النفسي الذي تعانيه ذهبت لتخطب لزوجها امرأة اخرى ستزحزحها عن المرتبة الاولى، جلست مع اهل العروس لتجد امامها فتاة في عقدها الثاني، استجمعت قوتها وطلبت يدها حسب الأصول من والدتها التي طلبت ردا واضحا من ابنتها لأنها مقبلة على حياة تكون فيها زوجة ثانية.
رد الفتاة كان مذهلا وغير متوقعا، بل كان بمثابة جرعة امل لتلك الزوجة المنهكة المستنزفة نفسيا، حيث قالت بصريح العبارة «رجل يريد الزواج على سيدة مثلك لا خير له في أخرى»، كانت كلمات الفتاة توحي بأنها على علم بكل ما عاشته الزوجة مع زوجها، على دراية بأنها «ثمن» صفقة قبول الرجل بمرض زوجته، وأنها تعلم جيدا ان هذا الرجل لا يرى في المرأة سوى «الانثى» أما الروح والذات فلا مكان لهما في قاموسه، لذلك فضلت التنحي وعدم الانغماس في حياة ستكون نهايتها أسوأ من نهاية هذه الزوجة التي وجدت فيها قوة لم ترها في غيرها رغم كسرة الروح والجسد.
الرفض لم يكن كافيا لردع الزوج عن البحث عن زوجة ثانية تليق بـ «رجولته» فقد كان مصرا على وضع زوجته في الزاوية، خاصة بعد استئصال ثديها، واصابتها بسرطان العظام الذي أعلن وفاتها بالنسبة له قبل الأوان، بالفعل تزوج الرجل واحضر زوجته الثانية والأولى تعاني الأمرين، ما جعل ابنتها تأخذها لتعيش معها، بقيت عندها لخمس سنوات كاملة مع ابنتها تنتظر في صمت اجلها المحتوم، فلم تعد قادرة على الوقوف او الخروج، لم تعد تتحمل نظرات الشفقة، لم تعد تقوى على النظر الى مرآة كانت تحتفي بجمالها في كل مرة ينعكس وجهها عليها.
بعد خمس سنوات شعرت فيها انها على هامش الحياة سلمت روحها الى بارئها لترقد في سلام بين يدي الحق الذي تجتمع عنده الخصوم، ماتت وتركت وراءها قصة امرأة هزمها سرطان تقوى وتسلّط بجحود زوجها وتخليه عنها في محنتها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024